فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال ابن القيم:

قال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}
وقال عن عباده المؤمنين إنهم سألوه ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وأصل الزيغ الميل ومنه زاغت الشمس إذا مالت فأزاغه القلب إمالته وزيغه ميله عن الهدى إلى الضلال والزيغ يوصف به القلب والبصر كما قال تعالى وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وقال قتادة ومقاتل شخصت فرقا وهذا تقريب للمعنى فإن الشخوص غير الزيغ وهو أن يفتح عينيه ينظر إلى الشيء فلا يطرق ومنه شخص بصر الميت ولما مالت الأبصار عن كل شيء فلم تنظر إلا إلى هؤلاء الذين أقبلوا إليهم من كل جانب اشتغلت عن النظر إلى شيء آخر فمالت عنه وشخصت بالنظر إلى الأحزاب وقال الكلبي مالت أبصارهم إلا من النظر إليهم وقال الفراء زاغت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها متحيرة تنظر إليه قلت القلب إذا امتلأ رعبا شغله ذلك عن ملاحظة ما سوى المخوف فزاغ البصر عن الوقوع عليه وهو مقابلة. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
هذه الآية الكريمة تدل بظاهرها على أن الخارج عن طاعة الله لا يهديه الله.
وقد جاءت آيات أُخر تدل على خلاف ذلك كقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} الآية.
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}.
والجواب: أن الآية من العام المخصوص فهي في خصوص الأشقياء الذين أزاغ الله قلوبهم عن الهدي لشقاوتهم الأزلية وقيل المعنى لا يهديهم ما داموا على فسقهم فإن تابوا منه هداهم. اهـ.

.تفسير الآيات (7- 9):

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير إعلامًا بأنهم أظلم الناس لتعمدهم للكذب: فمن أظلم منهم لتهتكهم في ذلك، عطف عليه قوله: {ومن أظلم} وعم كل من اتصف بوصفهم فقال: {ممن افترى} أي تعمد {على الله} أي الملك الأعلى {الكذب} الذي هو أقبح الأشياء {وهو} أي والحال أنه {يدعى} أي من أي داع كان {إلى الإسلام} الذي هو أحسن الأشياء فيكفي في الدعاء إليه أدنى تنبيه لأنه الاعتراف بالحق لمن هو له، فيجعل مكان الإجابة افتراء الكذب في تلك الحالة الحسنى.
ولما كان التقدير: فهو لا يهديه الله لأجل ظلمه، عطف عليه قوله: {والله} أي الذي له الأمر كله فلا أمر لأحد معه {لا يهدي القوم} أي لا يخلق الهداية في قلوب من فيهم قوة المحاولة للأمور الصعاب {الظالمين} أي الذين يخبطون في عقولهم خبط من هو في الظلام.
ولما أخبر عن ردهم للرسالة، علله بقوله: {يريدون} أي يوقعون إرادة ردهم للرسالة بافترائهم {ليطفئوا} أي لأجل أن يطفئوا {نور الله} أي الملك الذي لا شيء يكافيه {بأفواههم} أي بما يقولون من الكذب لا منشأ له غير الأفواه لأنه لا اعتقاد له في القلوب لكونه لا يتخيله عاقل، فهم في ذلك كالنافخين في الشمس إرادة أن يمحو نفخهم عينها وينقص شينهم زينها، فمثل إرادتهم لإخفاء القرآن بتكذيبهم وجميع كيدهم بمن يريد إطفاء الشمس بنفخه فهو في أجهد وأضل الضلال:
وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها ** ويجهد أن يأتي لها بضريب

فأفاد قصر الفعل أن إرادتهم كلها مصروفة لهذا الغرض وأنه لا إرادة لهم غير ذلك وأنه لا ينبغي أن يكون لهم إرادة لأنهم عبيد، والإرادة لا ينبغي إلا للسيد ليكون إرادة العبد تابعة لها، فتكون امتثالًا لإرادته، فكأنه لا إرادة له، فهو أبلغ مما في براءة لأن هذه نتيجتها.
ولما أخبر بعلة إرادتهم وأشار إلى وهي أمرهم بعد أن أخبر بردهم للحق وجرأ عليهم بالإخبار بإضلالهم، زاد ذلك بقوله مظهرا غير مضمر تنبيهًا على جميع صفات الجلال والإكرام: {والله} أي الذي لا مدافع له لتمام عظمته.
ولما كانت هذه السورة نتيجة سورة براءة التي أخبر فيها بأنه يأبى إلا إتمام نوره، أخبر في هذه بنتيجة ذلك وهي ثبات تمام النور ودوامه، لأن هذا شأن الملك الذي لا كفوء له إذا أراد شيئًا فكيف إذا أرسل رسولًا فقال: {متم} وهذا المعنى يؤيد قول الجمهور أنها مدينة بعد التأييد بذكر الجهاد، فإن فرضه كان بعد الهجرة من والظاهر من ترتيبها على الممتحنة التي نزلت في غزوة الفتح أنها بعد براءة في النزول أيضًا.
ولما كان النور لإظهار صور الأشياء بعد انطماسها سببًا لوضع الأشياء في أتقن مواضعها، وكان ما أتى من عند الله من العلم كذلك، جعل عينه فأطلق عليه اسمه فقال: {نوره} فلا يضره ستر أحد له بتكذيبه ولا إرادة إطفائه، وزاد ذلك بقوله: {ولو كره} أي إتمامه له {الكافرون} أي الراسخون في صفة الكفر المجتهدون في المحاماة عنه.
ولما أخبر بذلك، علله بما هو شأن كل ملك فكيف بالواحد في ملكه فقال: {هو} أي الذي ثبت أنه جامع لصفات الجمال والجلال وحده من غير أن يكون له شريك أو وزير {الذي أرسل} بما له من القوة والإرادة {رسوله} أي الحقيق بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى {بالهدى} أي البيان الشافي {ودين الحق} أي الملك الذي ثباته لا يدانيه ثبات، فلا ثبات لغيره، فثبات هذا الدين بثباته، ويجوز أن يكون المعنى: والدين الذي هو الحق الثابت في الحقية الكامل فيها كمالًا ليس لغيره، فيكون من إضافة الموصوف إلى صفته إشارة إلى شدة التباسه بها {ليظهره} أي يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع {على الدين} أي جنس الشريعة التي تجعل ليجازي من يسلكها ومن يزيغ عنها، بها يشرع فيها من الأحكام {كله} فلا يبقى دين إلا كان دونه وانمحق به وذل أهله له ذلًا لا يقاس به ذل {ولو كره} أي إظهاره {المشركون} أي المعاندون في كفرهم الراسخون في تلك المعاندة، وأعظم مراد بهذا أهل العناد ببدعة الاتحاد، فإنهم ما تركوا شيئًا مما سواه حتى أشركوا به- تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وهم مع بعد نحلتهم من العقول وفسادها من الأوهام ومصادمتها لجميع النقول في غاية الكثرة لمصير الناس إلى ما وعد الله ورسوله- وصدق الله ورسوله- من أن أكثرهم قد مرجت عهودهم وخفيت أماناتهم وصاروا حثالة كحثالة التمر لا يعبأ الله بهم، لكنهم على كثرتهم بما تضمنته هذه الآية في أمثالها في غاية الذل ولله الحمد لا عز لهم إلا بإظهار الاتباع للكتاب والسنة وهم يعلمون أنهم يكذبون في هذه الدعوى لأنهم في غاية المخالفة لهما بحيث يعتقدون أنهما شرك لإثباتهما لله تعالى وجودًا يخالف وجود الخلق وهم يقولون مكابرة للضرورة أن الوجود واحد وأنه لا موجود ظاهرًا وباطنًا سواه، ولذلك سموا الوجود به ثم لا يردهم علمهم بذلهم وأنهم لا عز لهم إلا بحمى الشريعة عن ضلالهم فأعجب لذلك وألجأ إلى الله تعالى بسؤال العافية، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، وضربهم بالذل مع كثرتهم في غاية الدلالة على الله سبحانه لأن الملك الكامل القدرة لا يقر من يطعن في ملكه ويسعى فر رد رسالته وإهانة رسله ولقد أنجز سبحانه كثيرًا من وعده بما دل- لكونه تغليبًا على أقوى الملوك من الأكاسرة والقياصرة- على القدرة على الباقين، وذلك أنه لما تقاعد قومه عن نصرته وانتدبوا لتكذيبه وجحد ما شاهدوه من صدقه يسر الله له أنصارًا من أمته هم نزاع القبائل وأجاد الأفاضل وسادات الأماثل فبلغوا في تأييده أقصى الأمل. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله الكذب} أي من أقبح ظلمًا ممن بلغ افتراؤه المبلغ الذي يفتري على الله الكذب وأنهم قد علموا أن ما نالوه من نعمة وكرامة فإنما نالوه من الله تعالى، ثم كفروا به وكذبوا على الله وعلى رسوله: {والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} أي لا يوافقهم الله للطاعة عقوبة لهم.
وفي الآية بحث: وهو أن يقال: بم انتصب {مُصَدّقًا} و{مُبَشّرًا} بما في الرسول من معنى الإرسال أم {إِلَيْكُمْ}؟ نقول: بل بمعنى الإرسال لأن إليكم صلة للرسول.
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)}
{لِيُطْفِئُواْ} أي أن يطفئوا وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة تأكيدًا له لما فيها من معنى الإرادة في قولك: جئتك لإكرامك، كما زيدت اللام في لا أبًا لك، تأكيدًا لمعنى الإضافة في أباك، وإطفاء نور الله تعالى بأفواههم، تهكم بهم في إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في القرآن: {هذا سحرٌ} [الصف: 6] مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه، كذا ذكره في الكشاف، وقوله: {والله مُتِمُّ نُورِهِ} قرئ بكسر الراء على الإضافة، والأصل هو التنوين، قال ابن عباس: يظهر دينه، وقال صاحب الكشاف: متم الحق ومبلغه غايته، وقيل: دين الله، وكتاب الله، ورسول الله، وكل واحد من هذه الثلاثة بهذه الصفة لأنه يظهر عليهم من الآثار وثانيها: أن نور الله ساطع أبدًا وطالع من مطلع لا يمكن زواله أصلًا وهو الحضرة القدسية، وكل واحد من الثلاثة كذلك وثالثها: أن النور نحو العلم، والظلمة نحو الجهل، أو النور الإيمان يخرجهم من الظلمات إلى النور، أو الإسلام هو النور، أو يقال: الدين وضع إلهي سائق لأولي الألباب إلى الخيرات باختيارهم المحمود وذلك هو النور، والكتاب هو المبين قال تعالى: {تِلْكَ ءَايَاتُ الكتاب المبين} [الشعراء: 2] فالإبانة والكتاب هو النور، أو يقال: الكتاب حجة لكونه معجزًا، والحجة هو النور، فالكتاب كذلك، أو يقال في الرسول: إنه النور، وإلا لما وصف بصفة كونه رحمة للعالمين، إذ الرحمة بإظهار ما يكون من الأسرار وذلك بالنور، أو نقول: إنه هو النور، لأنه بواسطته اهتدى الخلق، أو هو النور لكونه مبينًا للناس ما نزل إليهم، والمبين هو النور، ثم الفوائد في كونه نورًا وجوه منها: أنه يدل على علو شأنه وعظمة برهانه، وذلك لوجهين أحدهما: الوصف بالنور وثانيهما: الإضافة إلى الحضرة، ومنها: أنه إذا كان نورًا من أنوار الله تعالى كان مشرقًا في جميع أقطار العالم، لأنه لا يكون مخصوصًا ببعض الجوانب، فكان رسولًا إلى جميع الخلائق، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم: «بعثت إلى الأحمر والأسود» فلا يوجد شخص من الجن والإنس إلا ويكون من أمته إن كان مؤمنًا فهو من أمة المتابعة، وإن كان كافرًا فهو من أمة الدعوة.
وقوله تعالى: {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} أي اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين، وقوله: {بالهدى} لمن اتبعه {وَدِينِ الحق} قيل: الحق هو الله تعالى، أي دين الله: وقيل: نعت للدين، أي والدين هو الحق، وقيل: الذي يحق أن يتبعه كل أحد و{يُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} يريد الإسلام، وقيل: ليظهره، أي الرسول صلى الله عليه وسلم بالغلبة وذلك بالحجة، وهاهنا مباحث:
الأول: {والله مُتِمُّ نُورِهِ} والتمام لا يكون إلا عند النقصان، فكيف نقصان هذا النور؟ فنقول إتمامه بحسب النقصان في الأثر، وهو الظهور في سائر البلاد من المشارق إلى المغارب، إذ الظهور لا يظهر إلا بالإظهار وهو الإتمام، يؤيده قوله تعالى: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وعن أبي هريرة: أن ذلك عند نزول عيسى من السماء، قال مجاهد.
الثاني: قال هاهنا: {مُتِمُّ نُورِهِ} وقال في موضع آخر: {مَثَلُ نُورِهِ} [النور: 35] وهذا عين ذلك أو غيره؟ نقول: هو غيره، لأن نور الله في ذلك الموضع هو الله تعالى عند أهل التحقيق، وهنا هو الدين أو الكتاب أو الرسول.
الثالث: قال في الآية المتقدمة: {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} وقال في المتأخرة: {وَلَوْ كَرِهَ المشركون} فما الحكمة فيه؟ فنقول: إنهم أنكروا الرسول، وما أنزل إليه وهو الكتاب، وذلك من نعم الله، والكافرون كلهم في كفران النعم، فلهذا قال: {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} ولأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك، والمراد من الكافرين هاهنا اليهود والنصارى والمشركون، وهنا ذكر النور وإطفاءه، واللائق به الكفر لأنه الستر والتغطية، لأن من يحاول الإطفاء إنما يريد الزوال، وفي الآية الثانية ذكر الرسول والإرسال ودين الحق، وذلك منزلة عظيمة للرسول عليه السلام، وهي اعتراض على الله تعالى كما قال:
ألا قل لمن ظل لي حاسدا ** أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في فعله ** كأنه لم ترض لي ما وهب

والاعتراض قريب من الشرك، ولأن الحاسدين للرسول عليه السلام، كان أكثرهم من قريش وهم المشركون، ولما كان النور أعم من الدين والرسول، لا جرم قابله بالكافرين الذين هم جميع مخالفي الإسلام والإرسال، والرسول والدين أخص من النور قابله بالمشركين الذين هم أخص من الكافرين. اهـ.